فصل: تفسير الآيات (47- 49):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معالم التنزيل المشهور بـ «تفسير البغوي»



.تفسير الآيات (40- 41):

{إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ (40) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (41)}
قوله عز وجل: {إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا} أي: نميت سكان الأرض ونهلكهم جميعا، ويبقى الرب وحده فيرثهم، {وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ} فنجزيهم بأعمالهم. قوله عز وجل: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} الصديق: الكثير الصدق القائم عليه. وقيل: من صدق الله في وحدانيته وصدق أنبياءه ورسله وصدق بالبعث، وقام بالأوامر فعمل بها، فهو الصديق. والنبي: العالي في الرتبة بإرسال الله تعالى إياه.

.تفسير الآيات (42- 46):

{إِذْ قَالَ لأبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا (46)}
{إِذْ قَالَ} إبراهيم {لأبِيهِ} آزر وهو يعبد الأصنام {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ} صوتا {وَلا يُبْصِرُ} شيئا {وَلا يُغْنِي عَنْكَ} أي لا يكفيك {شَيْئًا} {يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ} بالله والمعرفة {مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي} على ديني {أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا} مستقيما. {يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ} لا تطعه فيما يزين لك من الكفر والشرك {إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا} عاصيا {كان} بمعنى الحال أي: هو كذلك. {يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ} أي أعلم {أَنْ يَمَسَّكَ} يصيبك {عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ} أي: إن أقمت على الكفر {فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا} قرينا في النار. {قَالَ} أبوه مجيبا له: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ} لئن لم تسكت وترجع عن عيبك آلهتنا وشتمك إياها، {لأرْجُمَنَّكَ} قال الكلبي ومقاتل والضحاك: لأشتمنك ولأبعدنك عني بالقول القبيح.
قال ابن عباس لأضربنك. وقال عكرمة: لأقتلنك بالحجارة.
{وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا} قال الكلبي: اجنبني طويلا. وقال مجاهد وعكرمة: حينا.
وقال سعيد بن جبير: دهرا وأصل الحين: المكث، ومنه يقال: فمكثت حينا والملوان: الليل والنهار.
وقال قتادة وعطاء: سالما وقال ابن عباس: اعتزلني سالما لا تصيبك مني معرة، يقال: فلان ملي بأمر كذا: إذا كان كافيا.

.تفسير الآيات (47- 49):

{قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا (48) فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيًّا (49)}
{قَالَ} إبراهيم {سَلامٌ عَلَيْكَ} أي سلمت مني لا أصيبك بمكروه، وذلك أنه لم يؤمر بقتاله على كفره.
وقيل: هذا سلام هجران ومفارقة. وقيل: سلام بر ولطف وهو جواب الحليم للسفيه. قال الله تعالى: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما} [الفرقان:63].
قوله تعالى: {سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي} قيل: إنه لما أعياه أمره ووعده أن يراجع الله فيه، فيسأله أن يرزقه التوحيد ويغفر له. معناه: سأسأل الله تعالى لك توبة تنال بها المغفرة.
{إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا} برا لطيفا. قال الكلبي: عالما يستجيب لي إذا دعوته. قال مجاهد: عودني الإجابة لدعائي. {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} أي: أعتزل ما تعبدون من دون الله. قال مقاتل: كان اعتزاله إياهم أنه فارقهم من كوثى فهاجر منها إلى الأرض المقدسة، {وَأَدْعُو رَبِّي} أي: أعبد ربي {عَسَى أَلا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا} أي: عسى أن لا أشقى بدعائه وعبادته، كما تشقون أنتم بعبادة الأصنام.
وقيل: عسى أن يجيبني إذا دعوته ولا يخيبني. {فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ} فذهب مهاجرا {وَهَبْنَا لَهُ} بعد الهجرة {إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ} آنسنا وحشته من فراقهم وأقررنا عينه، بأولاد كرام على الله عز وجل: {وَكُلا جَعَلْنَا نَبِيًّا} يعني: إسحاق ويعقوب.

.تفسير الآيات (50- 52):

{وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (50) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا (51) وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا (52)}
{وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا} قال الكلبي: المال والولد، وهو قول الأكثرين، قالوا: ما بسط لهم في الدنيا من سعة الرزق. وقيل: الكتاب والنبوة.
{وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا} يعني ثناء حسنا رفيعا في كل أهل الأديان، فكلهم يتولونهم، ويثنون عليهم. قوله عز وجل: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا} غير مراء أخلص العبادة والطاعة لله عز وجل وقرأ أهل الكوفة {مخلصا} بفتح اللام أي: مختارا اختاره الله عز وجل وقيل: أخلصه الله من الدنس. {وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا} {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأيْمَنِ} يعني: يمين موسى والطور: جبل بين مصر ومدين. ويقال: اسمه الزبير وذلك حين أقبل من مدين ورأى النار فنودي {يا موسى إني أنا الله رب العالمين} [القصص: 30].
{وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا} أي مناجيا، فالنجي المناجي، كما يقال: جليس ونديم.
قال ابن عباس: معناه: قربه فكلمه، ومعنى التقريب: إسماعه كلامه.
وقيل: رفعه على الحجب حتى سمع صرير القلم.

.تفسير الآيات (53- 56):

{وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا (53) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولا نَبِيًّا (54) وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا (55) وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا (56)}
{وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا} وذلك حين دعا موسى فقال: {واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي} [طه:29- 30] فأجاب الله دعاءه وأرسل هارون، ولذلك سماه هبة له. قوله عز وجل: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ} وهو إسماعيل بن إبراهيم جد النبي صلى الله عليه وسلم {إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ} قال مجاهد: لم يعد شيئا إلا وفى به.
وقال مقاتل: وعد رجلا أن يقيم مكانه حتى يرجع إليه الرجل، فأقام إسماعيل مكانه ثلاثة أيام للميعاد حتى رجع إليه الرجل.
وقال الكلبي: انتظره حتى حال عليه الحول.
{وَكَانَ رَسُولا} إلى جرهم {نَبِيًّا} مخبرا عن الله عز وجل. {وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ} أي: قومه وقيل: أهله وجميع أمته {بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ} قال ابن عباس: يريد التي افترضها الله تعالى عليهم، وهي الحنيفية التي افترضت علينا، {وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا} قائما بطاعته. قيل: رضيه الله عز وجل لنبوته ورسالته. قوله عز وجل: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ} وهو جد أبي نوح واسمه أخنوخ سمي إدريس لكثرة درسه الكتب. وكان خياطا وهو أول من خط بالقلم، وأول من خاط الثياب، ولبس المخيط، وكانوا من قبله يلبسون الجلود، وأول من اتخذ السلاح، وقاتل الكفار وأول من نظر في علم النجوم والحساب، {إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا}.

.تفسير الآية رقم (57):

{وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا (57)}
{وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا} قيل: يعني الجنة. وقيل: هي الرفعة بعلو الرتبة في الدنيا.
وقيل: هو أنه رفع إلى السماء الرابعة.
روى أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى إدريس في السماء الرابعة ليلة المعراج.
وكان سبب رفع إدريس إلى السماء على ما قاله كعب وغيره: أنه سار ذات يوم في حاجة فأصابه وهج الشمس فقال: يا رب أنا مشيت يوما فكيف بمن يحملها مسيرة خمسمائة عام في يوم واحد! اللهم خفف عنه من ثقلها وحرها فلما أصبح الملك وجد من خفة الشمس وحرها ما لم يعرف فقال يا رب ما الذي قضيت فيه؟ فقال: إن عبدي إدريس سألني أن أخفف عنك حملها وحرها فأجبته، فقال: رب اجعل بيني وبينه خلة، فأذن له حتى أتى إدريس فكان يسأله إدريس فقال له: إني أخبرت أنك أكرم الملائكة وأمكنهم عند ملك الموت، فاشفع لي إليه ليؤخر أجلي فأزداد شكرا وعبادة، فقال الملك: لا يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها، وأنا مكلمه فرفعه إلى السماء ووضعه عند مطلع الشمس، ثم أتى ملك الموت فقال لي حاجة إليك؛ صديق لي من بني آدم تشفع بي إليك لتؤخر أجله، قال: ليس ذلك إلي ولكن إن أحببت أعلمته أجله فيقدم لنفسه قال: نعم فنظر في ديوانه فقال: إنك كلمتني في إنسان ما أراه يموت أبدا، قال: وكيف؟ قال: لا أجده يموت إلا عند مطلع الشمس قال فإني أتيتك وتركته هناك قال: فانطلق فلا أراك تجده إلا وقد مات فوالله ما بقي من أجل إدريس شيء فرجع الملك فوجده ميتا.
واختلفوا في أنه حي في السماء أم ميت؟ فقال قوم: هو ميت وقال قوم: هو حي وقالوا: أربعة من الأنبياء في الأحياء اثنان في الأرض: الخضر وإلياس واثنان في السماء: إدريس وعيسى.
وقال وهب: كان يرفع لإدريس كل يوم من العبادة مثل ما يرفع لجميع أهل الأرض في زمانه فعجب منه الملائكة واشتاق إليه ملك الموت، فاستأذن ربه عز وجل في زيارته، فأذن له فأتاه في صورة بني آدم وكان إدريس يصوم الدهر فلما كان وقت إفطاره دعاه إلى طعامه فأبى أن يأكل معه، ففعل ذلك ثلاث ليال فأنكره إدريس، فقال له الليلة الثالثة: إني إريد أن أعلم من أنت؟ فقال: أنا ملك الموت استأذنت ربي أن أصحبك، قال: فلي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال: تقبض روحي، فأوحى الله إليه أن اقبض روحه فقبض روحه وردها الله إليه بعد ساعة، قال له ملك الموت: ما في سؤالك من قبض الروح؟ قال لأذوق كرب الموت وغمه لأكون أشد استعدادا له، ثم قال إدريس له: إن لي إليك حاجة أخرى، قال: وما هي؟ قال: ترفعني إلى السماء لأنظر إليها وإلى الجنة والنار، فأذن الله في رفعه، فلما قرب من النار قال لي حاجة أخرى، قال: وما تريد؟ قال: تسأل مالكا حتى يفتح لي أبوابها فأردها ففعل، ثم قال: فما أريتني النار فأرني الجنة. فذهب به إلى الجنة فاستفتح فأوحى الله إليه أن اقبض روحه، فقبض روحه وردها الله إليه بعد ساعة، قال له ملك الموت: ما في ففتحت أبوابها فأدخله الجنة، ثم قال ملك الموت: اخرج لتعود إلى مقرك، فتعلق بشجرة وقال: لا أخرج منها، فبعث الله ملكا حكيما بينهما فقال له الملك: ما لك لا تخرج؟ قال: لأن الله تعالى قال: {كل نفس ذائقة الموت} [آل عمران:185] وقد ذقته، وقال: {وإن منكم إلا واردها} [مريم:71]، وقد وردتها، وقال: {وما هم منها بمخرجين} [الحجر:48] فلست أخرج، فأوحى الله إلى ملك الموت بإذني دخل الجنة وبأمري لا يخرج فهو حي هناك، ذلك قوله تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا}.

.تفسير الآية رقم (58):

{أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا (58)}
{أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ} أي: إدريس ونوحا {وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ} أي: ومن ذرية من حملنا مع نوح في السفينة، يريد إبراهيم؛ لأنه ولد من سام بن نوح {وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ} يريد إسماعيل وإسحاق ويعقوب.
قوله: {وَإِسْرَائِيلَ} أي: ومن ذرية إسرائيل وهم موسى وهارون وزكريا ويحيى وعيسى.
قوله: {وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا} هؤلاء كانوا ممن أرشدنا واصطفينا {إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا} {سجدا}: جمع ساجد {وبكيا}: جمع باك أخبر الله أن الأنبياء كانوا إذا سمعوا بآيات الله سجدوا وبكوا.

.تفسير الآية رقم (59):

{فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا (59)}
قوله عز وجل: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} أي: من بعد النبيين المذكورين خلف وهم قوم سوء، والخلف- بالفتح- الصالح، وبالجزم الطالح.
قال السدي: أراد بهم اليهود ومن لحق بهم.
وقال مجاهد وقتادة: هم في هذه الأمة.
{أَضَاعُوا الصَّلاةَ} تركوا الصلاة المفروضة.
وقال ابن مسعود وإبراهيم: أخروها عن وقتها.
وقال سعيد بن المسيب: هو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر، ولا العصر حتى تغرب الشمس.
{وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} أي المعاصي وشرب الخمر، يعني آثروا شهوات أنفسهم على طاعة الله. وقال مجاهد: هؤلاء قوم يظهرون في آخر الزمان ينزو بعضهم على بعض في الأسواق والأزقة.
{فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} قال وهب: الغي نهر في جهنم بعيد قعره خبيث طعمه.
وقال ابن عباس: الغي واد في جهنم وإن أودية جهنم لتستعيذ من حره أعد للزاني المصر عليه ولشارب الخمر المدمن عليها ولآكل الربا الذي لا ينزع عنه ولأهل العقوق ولشاهد الزور.
وقال عطاء: الغي: واد في جهنم يسيل قيحا ودما.
وقال كعب: هو واد في جهنم أبعدها قعرا، وأشدها حرا في بئر تسمى الهيم كلما خبت جهنم فتح الله تلك البئر فيسعر بها جهنم.
أخبرنا محمد بن عبد الله بن أبي توبة أخبرنا محمد بن أحمد الحارثي أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي أخبرنا عبد الله بن محمود أخبرنا إبراهيم بن عبد الله الخلال وأخبرنا عبد الله بن المبارك عن هشيم بن بشير أخبرنا زكريا بن أبي مريم الخزاعي قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: «إن ما بين شفير جهنم إلى قعرها مسيرة سبعين خريفا من حجر يهوي أو قال صخرة تهوي عظمها كعشر عشروات عظام سمان فقال له مولى لعبد الرحمن بن خالد بن الوليد: هل تحت ذلك شيء يا أبا أمامة؟
قال: نعم غي وآثام»
.
وقال الضحاك: غيا وخسرانا. وقيل: هلاكا. وقيل: عذابا.
وقوله: {فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} ليس معناه يرون فقط، بل معناه الاجتماع والملابسة مع الرؤية.